أ- تعريف السبب:
لغة: الحبل. ثم استعمل لكل شيء يتوصل به إلى غيره.
شرعاً: ما يكون طريقاً للوصول إلى الحكم غير مؤثر فيه. مثاله: زوال الشمس علامة لوجوب الصلاة، وطلوع الهلال علامة على وجوب صوم رمضان في قوله تعالى: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمْ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} [البقرة: 185].
ب-أسباب النزول:
1 - قسم نزل بدون سبب ، وهو أكثر القرآن.
2- قسم نزل مرتبط بسبب من الأسباب. ومن هذه الأسباب:
أ- حدوث واقعة معينة فينزل القرآن الكريم بشأنها:
عن ابن عباس قال: لما نزلت: {وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ} [ الشعراء: 214]. خرج النبي صلى الله عليه وسلم حتى صعد الصفا، فهتف: يا صباحاه، فاجتمعوا إليه فقال" أرأيتكم لو أخبرتكم أن خيلاً تخرج بسفح هذا الجبل أكنتم مصدقي؟.." الحديث ، فقال أبو لهب تباً لك، إنما جمعتنا لهذا، ثم قام، فنزل قوله تعالى: {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ} [المسد: 1].
ب-أن يُسال الرسول صلى الله عليه وسلم عن شيء، فينزل القرآن ببيان الحكم مثال ذلك: عن عبد الله قال: إني مع النبي صلى الله عليه وسلم في حرث بالمدينة وهو متكىء على عسيب، فمر بنا ناس من اليهود فقالوا: سلوه عن الروح، فقال بعضهم: لا تسألوه فيستقبلكم بما تكرهون، فأتاه نفر منهم فقالوا له: يا أبا القاسم ما تقول في الروح؟ فسكت، ثم قام، فأمسك وجهه بيده على جبهته، فعرفت أنه ينزل عليه، فأنزل الله عليه: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ الرُّوحِ قُلْ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ الْعِلْمِ إِلا قَلِيلا} [الإسراء: 85].
جـ- الحكمة والفوائد من أسباب النزول.
1-الحكمة:
أ- معرفة وجه ما ينطوي عليه تشريع الحكم على التعيين لما فيه نفع المؤمنين وغير المؤمنين، فالمؤمن يزداد إيماناً على إيمانه لما شاهده وعرف سبب نزوله، والكافر إن كان منصفاً يبهره صدق هذه الرسالة الإلهية فيكون سبباً لإسلامه، لأن ما نزل بسبب من الأسباب إنما يدل على عظمة المُنزل وصدق المُنزَل عليه.
2-الفوائد:
أ- الاستعانة على فهم الآية وتفسيرها وإزالة الإشكال عنها، لما هو معلوم من الارتباط بين السبب والمسبب.
قال الواحدي: لا يمكن تفسير الآية دون الوقوف على قصتها وبيان نزولها.
قال ابن دقيق العيد: بيان سبب النزول طريق قوي في فهم معاني القرآن.
قال ابن تيمية: معرفة سبب النزول يعين على فهم الآية، فإن العلم بالسبب يورث العلم بالمسبب.
وقد أشكل على مروان بن الحكم قوله تعالى: {لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوا...} [آل عمران: 188].
وقال: لئن كان كل امرىء فرح بما أُوتي، وأحب أن يحمد بما لم يفعل معذباً، لنعذبنَّ أجمعون، حتى بين له ابن عباس أن الآية نزلت في أهل الكتاب حين سألهم النبي صلى الله عليه وسلم عن شيء، فكتموه إياه، وأخبروه بغيره، وأَرَوْه أنهم أخبروه بما سألهم عنه، واستحمدوا بذلك إليه.
ب- أن لفظ الآية يكونعاماً، ويقوم الدليل على تخصيصه، فإذا عُرف السبب قصر التخصيص على ما عدا صورته.
جـ- دفع توهم الحصر، قال الإمام الشافعي ما معناه في قوله تعالى: {قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا...} [الأنعام: 145]: إن الكفار لما حرموا ما أحل الله، وأحلوا ما حرم الله، وكانوا على المضادة - أي تصرفهم بقصد المخالفة - جاءت الآية مناقضة لغرضهم فكأنه قال: لا حلال إلا ما حرمتموه، ولا حرام إلا ما أحللتموه.
د- معرفة اسم النازل فيه الآية، وتعيين المبهم فيه.
د-كيفية معرفة أسباب النزول:
لما كان سبب النزول أمراً واقعاً نزلت بشأنه الآية، كان من البَدَهي ألا يدخل العلم بهذه الأسباب في دائرة الرأي والاجتهاد، لهذا قال الإمام الواحدي: ولا يحل القول في أسباب النزول إلا بالرواية والسماع ممن شاهدوا التنزيل ووقفوا على الأسباب، وبحثوا عن علمها.
ومن هنا نفهم تشدد السلف في البحث عن أسباب النزول، حتى قال الإمام محمد بن سيرين: سألت عَبيدَةَ عن آية من القرآن، فقال: اتق الله وقل سداداً، ذهَب الذين يعلمون فيما أنزل القرآن.
وقد اتفق علماء الحديث على اعتبار قول الصحابي في سبب النزول لأن أسباب النزول غير خاضعة للاجتهاد فيكون قول الصحابي حكمه الرفع، أما ما يرويه التابعون من أسباب النزول، فهو مرفوع أيضاً، لكنه مرسل، لعدم ذكر الصحابي.
لكن ينبغي الحذر والتيقظ، فلا نخلط بأسباب النزول ما ليس منها، فقد يقع على لسانهم قولهم: نزلت هذا الآية في كذا ويكون المراد موضوع الآية، أو ما دلت عليه من الحكم.
هـ- صيغة السبب:
1-تكون نصحاً صريحاً في السببية إذا صرح الراوي بالسبب بأن يقول: سبب نزول هذه الآية كذا، أو يأتي الراوي بفاء التعقيب بعد ذكر الحادثة، بأن يقول: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كذا، فنزلت الآية.
2-تكون محتملة للسببية إذا قال الراوي: أحسب هذه الآية نزلت في كذا، أو ما أحسب هذه الآية نزلت إلا في كذا، مثال ذلك ما حدث للزبير والأنصاري ونزاعهما في سقي الماء، وتشاكيا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ونفذ فيهما حكم الله، فكأن الأنصاري لم يعجبه هذه الحكم، فنزل قوله تعالى: {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ} [ النساء: 65 ]. فقال الزبير ما أحسب هذه الآية إلا في ذلك.
و- اختلاف روايات أسباب النزول.
لما كان سبيل الوصول إلى أسباب النزول هو الرواية والنقل، كان لا بد أن يعرض لها ما يعرض للرواية من صحة وضعف، واتصال وانقطاع، غير أنا هنا على ظاهره هامة يحتاج الدارس إليها وهي اختلاف روايات أسباب النزول وتعددها، وذلك لأسباب يمكن تلخيص مهماتها فيما يلي: