هو عالم المدينة ومؤسس المذهب المالكي. قال عنه سفيان بن عيينة: "مالك عالم أهل الحجاز". وقال الشافعي: "إذا ذكر العلماء فمالك النجم".
نسبه
هو مالك بن أنس بن مالك بن أبي عامر بن عمرو بن الحارث بن عثمان بن خثيل بن عمرو بن الحارث الأصبحي الحميري المدني(1)، أبو عبد الله، إمام دار الهجرة، أحد الأئمة الأربعة الفقهاء، ولد في المدينة سنة ثلاث وتسعين على أرجح الأقوال، بدأ رحلته العلمية وهو ابن بضع عشرة سنة.
أول شيخ تلقى عنه العلم هو: ربيعة الرأي الفقيه المدني المعروف، ثم لزم ابن هرمز سبع سنين أو ثمان، لم يخلطه بغيره، فأخذ عنه علم الحديث، ثم مال إلى ابن شهاب الزهري، كما أخذ عن نافع، وابن المنكدر، وعبد الله بن دينار، وصالح بن كيسان، وسعيد المقبري، وغيرهم كثير ممن أخذ عنهم مالك، حتى قيل إن عدد شيوخه فاق تسعمائة شيخ، منهم ثلاثمائة من التابعين، وستمائة من تابعي التابعين.
جلوسه للتدريس والإفتاء
لم يجلس مالك لتدريس العلم حتى شهد له شيوخه بأنه أهل لذلك، وهو نفسه يحدث بذلك فيقول: "ليس كل من أحب أن يجلس في المسجد للحديث والفتيا جلس، حتى يشاور فيه أهل الصلاح والفضل والجهة من المسجد، فان رأوه لذلك أهلا جلس، وما جلست حتى شهد لي سبعون شيخا من أهل العلم، أني موضع لذلك"(2)، وكان يقول: "ما أجبت في الفتوى حتى سألت من هو أعلم مني: هل تراني موضعاً لذلك؟ سألت ربيعة ويحيى بن سعيد، فأمراني بذلك". وقد كان من منهجه في التدريس أن يهتم بالمسائل الواقعة، ولم يفترض المتوقعات، ولا يحب أن يسأل عنها، على خلاف أهل العراق الذين شغفوا بالفقه التقديري.
منزلته العلمية
كان حافظا الحديث الشريف وعالما به، إماماً في نقد الرجال، لا يروي إلا عمن هو ثقة عنده، وكان بارعاً في الفقه، لم يكن بالمدينة عالم من بعد التابعين يشبهه... وقد كان للبيئة التي عاش فيها مالك أثر في تكوينه العلمي؛ فالمدينة المنورة موطن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومجمع الصحابة والتابعين من بعده فيها سن الله لرسوله سنن الإسلام وشريعته، وإليها كانت الهجرة إلى الله، وبها كان كبار الصحابة من الأنصار والمهاجرين وهم أكثرهم عددا، وأوسعهم علما، وأعلمهم بسلوك نبيهم، فتأثر مالك بآرائهم وأفكارهم، وحفظ فتاواهم ومسائلهم، وتعرف على أقضيتهم وأحكامهم، وكان حريصا على الأخذ بما يجري في بلده يعطيه الأهمية القصوى، ويرى حجيته في الأحكام التشريعية العملية إذ كان يرى سلوك أهل المدينة، مأخوذا من سلوك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فالاقتداء بهم، وحديثهم أصح الأحاديث..
مؤلفاته
ولمالك رحمه الله مؤلفات، منها:
- رسالة في القدر، كتبها إلى ابن وهب وإسنادها صحيح.
- وله مؤلفات في النجوم ومنازل القمر. رواه سحنون، عن ابن نافع الصائغ، عنه، ورسالة في الأقضية، وله جزء في التفسير، ورسالة إلى الليث في إجماع أهل المدينة.
مواقفه
ولما حج المنصور، دعا مالك فسأله وأجابه، فقال له المنصور: عزمت أن آمر بكتبك هذه ـ يعني الموطأ ـ فتنسخ نسخاً، ثم أبعث إلى كل مصر من أمصار المسلمين بنسخة، وآمرهم أن يعملوا بما فيها، ويدعوا ما سوى ذلك من العلم المُحْدَث، فإني رأيت أصل العلم رواية أهل المدينة وعلمهم. فقال له مالك: يا أمير المؤمنين لا تفعل، فإن الناس قد سيقت إليهم أقاويل، وسمعوا أحاديث، ورووا روايات، وأخذ كل قوم بما سيق إليهم، وعملوا به ودانوا به، من اختلاف أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وغيرهم. وإن ردّهم عما اعتقدوه شديد، فدع الناس وما هم عليه، وما اختار أهل كل بلد لأنفسهم، فقال: لعمري لو طاوعتني لأمرت بذلك.
محنته ووفاته
تعرض مالك لمحنة شديدة في إمارة جعفر بن سليمان بن علي العباسي أمير المدينة سنة 147هـ فقد وشي إليه بأنه يرى أن أيمان البيعة ليست ملزمة إذا كانت بالإكراه بدليل قوله صلى الله عليه وسلم: (ليس على مستكره طلاق)، فنهي عن رواية هذا الحديث فلم ينته، فأمر به فجردت ثيابه وضرب سبعين سوطاً، وحلق شعره، وحمل على بعير وقيل له: ناد على نفسك، فقال: ألا من عرفني فقد عرفني ومن لم يعرفني فأنا مالك بن أنس أقول: طلاق المكره ليس بشيء، فقال جعفر بن سليمان: أنزلوه. وما زال بعدها في رفعة وعلو. قال الذهبي: هذا ثمرة المحنة المحمودة، أنها ترفع العبد عند المؤمنين(3).
وتوفي مالك رحمة الله صبيحة يوم الرابع عشر من شهر ربيع الأول سنة 179ﻫـ في خلافة هارون الرشيد، ودفن بالبقيع.
قيل فيه
قال عنه سفيان بن عيينة: "مالك عالم أهل الحجاز". وقال الشافعي: "إذا ذكر العلماء فمالك النجم".
بعض مصادر سيرة الإمام مالك
- ترتيب المدارك للقاضي عياض
- الانتقاء لابن عبد البر
- مناقب مالك للشيخ الزواوي
- تزيين الممالك للسيوطي
- في الديباج المذهب
- وفيات الأعيان
- تهذيب التهذيب
- صفة الصفوة
- حلية الأولياء
- تاريخ خليفة
- سير أعلام النبلاء
- تذكرة الحفاظ
- التعريف بابن خلدون
- معجم المطبوعات
- مفتاح السعادة
- مالك بن أنس إمام دار الهجرة لعبد الحليم الجندي
- مالك ترجمة محررة لأمين الخولي
- مالك حياته وعصره، آراؤه وفقهه للشيخ أبي زهرة
وغيرها من الكتب.