وَلَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ فِيَما إِن مَكَّناهُمْ فِيهِ وَجَعَلْنَا لَهُمْ سَمْعاً وَأَبْصاراً وَأَفْئِدَةً فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلاَ أَبْصَارُهُمْ وَلاَ أَفِئِدَتُهُم مِن شَيْء إِذْ كَانُوا يَجْحَدُونَ بِآيَاتِ اللهِ وَحَاقَ بِهِم مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (26 )وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا مَا حَوْلَكُم مِنَ ا لْقُرَى وَصَرَّفْنَا ا لاَْيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (27 ) فَلَوْلاَ نَصَرَهُمُ ا لَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِ اللهِ قُرْبَاناً آلِهَةً بَلْ ضَلُّوا عَنْهُمْ وَذلِكَ إِفْكُهُمْ وَمَا كَانُوا يَفْتَرُونَ (28 ) يجحدون بآيات الله : ينكرون الأدلّة والبراهين الدالة على وجود الله وفضله .
وصرّفنا الآيات : بيّنّا لهم الآيات المختلفة الدلالة لإقناعهـم بالإيمان ، كالآيات الكونية، وآيات الوحي ، وآيات الانتقام وحلول العذاب; لعلّهم يرجعون عن كفرهم وعنادهم .
قرباناً آلهة : أي اتخذوهم آلهة يقرِّبونهم من الله سبحانه .
وذلك إفكهم : وذلك كذبهم الذي ادعوا فيه أن هؤلاء الذين يعبـدونهم آلهة، هو الذي أوقعهم في العذاب .
(ولقد مكّنّاهم(3) فيما إن مكّنّاكم فيه ... ) .
وبعد أن عرض القرآن حوادث الدمار والفناء التي حلّت بعاد وقصّها على جيل الدعوة الإسلامية ، انتقل إلى مخاطبة أولئك الذين وقفوا من النبيّ محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) موقف عاد من نبيهم ، وانطلق في حديثه معهم من الجانب النفسي .. جانب الغرور والكبرياء الذي كان يمنعهم من قبول الرسالة .. فاستخفّ بهذا الغرور ليحطِّم كبرياءهم ، ويعزّز هذا الخطاب أن قريشاً كان لهم معرفة بتلك الأقوام المنقرضة .. ممّا كشف لهم أنّ تلك الأمم كانت تفوقهم في القوة والإمكانات المادية جميعها ..
فقد مكّن الله قوم عاد في الذي لم يمكنهم فيه، وحين تمردوا على دعوة الحق والإصلاح ... لم ينفعهم كل ذلك ، بل أنزل الله بهم ذلك الدمار والعذاب .. لقد كان لأولئك ، كما كان لكم أيها المكذبون .. كان لهم ما وهب الله الإنسان من سمع وبصر وعقل ، فلم يستعملوا تلك المواهب لمعرفة الحق، واستفادة تجارب الأمم، بل جحدوا بآيات الله، وهزؤوا بالرسل، فحلّ بهم العذاب الذي كانوا به يستهزئون .
وذلك خطاب لكل الذين يمنعهم الاغترار بما لديهم من قوة وإمكان عن تقبل دعوة الهدى ، ويصرّون على الكفر والجريمة .
ويواصل القرآن خطابه لأهل مكة الرافضين لدعوة الرسول ، فيذكِّرهم بمن حولهم من القرى المنقرضة ، التي حلَّ بها العذاب ، لعلهم يتذكّرون أو يتعظون ، وهم كما يقول المفسِّرون ، قوم هود في اليمن ، وقوم صالح بالحجر ، وقوم لوط على طريق الشام .
* * *
)وصرفنا الآيات لعلّهم يرجعون... ) .
ولم يكن إهلاكهم إلاّ بعد أن أقيمت عليهم الحجّة بالأدلّة ووسائل الإقناع والتحذيرات المختلفة لعلّهم يتعظون ، ويرجعون عن غيِّهم وجرائمهم ، وتلك سنّة الله وعدله ، لا يعاقب إلاّ بعد أن يرسل ، ويقيم الحجّة والدليل : (ما كنّا معذِّبين حتى نبعث رسولاً ) .. غير انّهم لم يتراجعوا ، بل أصرّوا على كفرهم وجريمتهم ، فاستحقوا العقاب والعذاب ، ولم ينفعهم ما كانوا يعبدون من أوثان يعتقدون بأنها تقرّبهم إلى الله سبحانه .. (بل ضلّوا عنهم ) .
لقد غابت تلك الآلهة عن حمايتهم، والدفاع عنهم يوم نزول العذاب ، فلم يُرَ لها فعل ولا أثر كما يضل الطغاة وقادة الضلال عن أتباعهم .. إنّه الاستخفاف بتلك الآلهة .
(وذلك إفكهم ) .. إنّ الذي حلّ بهم من العذاب هو نتيجة لكذبهم على الله واتخاذهم الأوثان آلهة .
* * *